اثار انتباهى لفترة ليست بالقصيرة وسيلة يستخدمها المتدينون وخاصة المسلمون فى الخروج من ماّزق القراّن العديدة, مثل اصباغ صفات بشرية مادية على الخالق, او تبرير الاخطاء العلمية فى القراّن, او فى منطقية القصص الواردة به سواء عقليا او تاريخيا, فهم عادة يستخدمون حيلة ( التشبية ) و( المجاز ) للخروج من تلك الماّزق, كأن يقولون ان الله ( يشبه ) نفسه بالبشر ليفهموا ما يقوله, او كأن يقولوا ان الله قصد بكذا ان يوضح كذا وكذا, لكنه ليس كذا !!!!
وساقسم الموضوع هنا لقسمين, الاول يتعرض لمنطقية التشبية والمجاز بالقياس العقلى والعلمى, والقسم الثانى اعرض فيه تجربة اثبت من خلالها ان الكثير والكثير من العبارات التى نستخدمها يوميا فى حياتنا من الممكن ان يكون لها عدة معانى اخرى اذا ( اردنا ) ان يكون لها تلك المعانى قصرا ولويا لاعناق معانيها حتى تخدم اهدافنا, ونبدأ بالقسم الأول :
كيف يشبّه الله المطلق فى كل صفاته شيئا بشىء اّخر يقصده دون ان يستخدم الطريق الاسهل, وهو المباشرة فى اللفظ والصراحة فى المعنى ؟
ماهى المعايير التى على اساسها نفرّق بين المجاز والمقصود صراحة فى القراّن والاحاديث ؟
تخيل معى ان الله يريد ان يقول انه خلق النجوم لتنير الارض, هل يقول انها ( مصابيح ) كمجاز ؟ ام يقول انها نجوم تشع ضوء يصلنا من ملايين الكيلومترات ونستفيد منه فى انارة ليلنا ؟
ماذا عن تطور الجنين, هل يقول انه كسى العظام لحما كمجاز؟ ام يقول ان الجنين يتكون من ثلاث طبقات تنمو كلها فى وقت واحد على مدى تسعة اشهر ؟
واذا تطرقنا لمسألة طى السماء والارض؟ هل يقول انه يطويها بيمينة وقبضته كمجاز ؟ ام يقول انه قادر ان يقول للسماء الارض كونوا مطويين فيكونوا ؟
ما فائدة المجاز هنا اذا كان القول صراحة اصوب للعقل والمنطق ويوصل الرسالة المرجوة بكل ارتياح ودون تأويل واختلاف فى التفسير مما ينتج عنه معارك فكرية واختلافات مذهبية وصراعات تفسيرية ؟
لماذا يصف الشهب والنيازك انها جن يستقى السمع من السماء لينقلها للارض ؟ الم يكن من الافضل ان يصفها بانها احجار شاردة فى الفضاء تجد طريقا للارض وتحترق بفعل الهواء قبل ان تصل للارض فتحدث كارثة مروعة ؟
لاحظوا اننى اتكلم باسلوب بسيط لا مصطلحات علمية فيه ولا قوانين حديثة, اى انه حديث قريب لسكان البادية من 1400 سنة, ومع ذلك هو حديث عام قد يكون مقبول بمرور الزمن لانه ليس خاص بزمن معين او لفئة معينة من الناس ....
ما فائدة ذكر معجزة الاسراء والمعراج اذا كانت مجرد حلم كما فسرها بعض علماء المسلمون للتخلص من مأزق لا منطقيتها ؟ هل يذكر الله حلم كمجاز عن رحلة للسماوات ؟ وهل هو بغير قادر على جعل رسوله يقوم بتلك الرحلة ؟ بل والادهى, اهو غير قادر على اعطاء رسوله ولو دليل واحد على القيام بتلك الرحلة ؟؟
ان استخدام المجاز فى رحلة الاسراء والمعراج يعتبر بكل الاحوال ضرب من اللامنطقية والعبث, فهو من ناحية اثبت انه غير قادر على جعل رسوله يقوم بتلك الرحلة, ومن ناحية اخرى عجز تماما عن اثبات كونها حدثت سواء فى الحلم او فى الحقيقة ! وسواء حدثت ام لا فهو فى النهاية لم يقدم الدليل الفعلى على كونها مجاز ام حقيقة, او الدليل على كون الرسول صعد للسماء بالفعل ام لا !
كيف يصف الله نفسه بشىء, ولا ينفى الرسول تلك الصفة عن الله بقوله انها مجاز, ثم يأتى بعدها المفسرون بمئات السنين ليقولوا بكل خجل انها مجاز لايضاح حكمة ما او لتبيان قدرة بشكل شعرى مجازى ! اين المنطق يا اخوة ؟
الله يقول عن نفسه انه يستوى العرش, كلمة ( على ) تفيد بانه يوجد شىء ( يوضع ) على شىء فى سياق الآية, ثم يأتى المفسرون بعد الف سنة واكثر لينفوا عنه صفة الجلوس على العرش بحجة ان الاستواء غير الجلوس !! لماذا اذن لم يفسرها فى قراّنه انه لا يجلس ؟ ولماذا لم يفسرها رسوله ؟ لماذا انتظرنا كل تلك السنين ليجىء شخص ليس بنبى او رسول ليقول ان الله ( لم يكن يقصد ) انه يجلس, بل قالها كمجاز ؟ من نصدق ؟ الله ورسولة, ام مفسر لم نره او نناقشه او نفند تفسيراته ؟
كيف يصف الله نفسه بصفة مجازية يتضح بعد مئات السنين انها ليست موجودة فيه صراحة ؟ اهو عجز منه فى الايضاح ؟ ام عجز من رسوله ؟ ام تورية من المفسرين ؟؟
لكم الحكم اعزائى ....
ننتقل الى القسم الثانى :
اليكم القصة التالية, وسأورد لكم التفسير المنطقى والتفسير العبثى لها بعد قراءتها ولنرى هل من منطق فى ذلك التفسير ام لا ؟ :
صحوت فجرا لاذهب لعملى فى تلك المدينة البعيدة عن مقر اقامتى, ارتديت ملابسى فى عجالة, مشطت شعرى والتهمت افطارى فى دقائق معدودة, طويت الجريدة واحكمت اغلاق باب الشقة, ترجلت على السلالم مسرعا محاذرا ان اتعثر, انطلقت فى الشارع متجها نحو محطة القطار, حجزت تذكرتى وتبوأت مقعدى مريحا ظهرى فى وضع شبه نائم, فتحت الجريدة كاننى افتح ستار مسرحية فاردا ذراعى على اّخرهما, نظرة سريعة على الاخبار تلوها اغفاءة بسيطة, اصحو مفزوعا على اصطدام هائل, النار تشتعل كجهنم حمراء, حديد القطار اصبح معجونا فى بعضه, الدماء فى كل مكان كان الارض تخرج كل الدماء التى احتجزتها ملايين السنين, صفارات الانذار تدوى والناس تهرب للامكان, تنشق الارض عن افعى رهيبة تلتهم الموجودين جميعا, ابقى واحدى, امامى الافعى وخلفى القطار يكاد ينفجر الانفجار الاخير, يهبط من السماء شهاب كعين ابليس, يضرب الافعى والقطار والمدينة باسرها, اسبح فى الفضاء مع صوت صفير حاد يكاد يخرق طبلة اذنى, اصحو مفزوعا على صفارة الكمسارى يطلب رؤية التذاكر من الركاب. انتهى .
والآن نأتى للتحليل :
التفسير الاول من وجهة نظر منطقية :
شخص عادى غفا قليلا فى القطار, حلم بكابوس مزعج استيقظ منه على صافرة الكمسارى.
التفسير الثانى من وجهة نظر لا منطقية عبثية :
"صحوت فجرا لاذهب لعملى فى تلك المدينة البعيدة عن مقر اقامتى" = الانسان يصحو فجرا, وعادة يعمل فى مدينة بعيدة عن مقر اقامتة.
" ارتديت ملابسى فى عجالة, مشطت شعرى والتهمت افطارى فى دقائق معدودة, طويت الجريدة واحكمت اغلاق باب الشقة, ترجلت على السلالم مسرعا محاذرا ان اتعثر, انطلقت فى الشارع متجها نحو محطة القطار" = ارتداء الملابس وتمشيط الشعر شرط للخروج للشارع, طى الجريدة معناه ان الانسان يستخدم يديه فى طيها مما يدل على وجود ايدى له, معنى الحذر من التعثر ان اغلب الناس يتعثرون على السلالم وهم يسرعون, الانطلاق نحو محطة القطار يدل على انه استخدم وسيلة للوصول للمحطة سواء قدمه او السيارة او اى وسيلة لا نعرفها ويعلمها هو وحده.
" حجزت تذكرتى وتبوأت مقعدى مريحا ظهرى فى وضع شبه نائم" = تبوأ المقاعد يلزم بعده اراحة الظهر,وهى حقيقة علمية.
" فتحت الجريدة كاننى افتح ستار مسرحية فاردا ذراعى على اّخرهما" = هنا نرى كيف ان فتح الجريدة مشابه تماما لفتح ستار المسرحيات, وهو تشبيه بليغ القصد منه انه قادر على فتح ستار مسرحية كما يفتح الجريدة.
" النار تشتعل كجهنم حمراء" = تشبية يدل على ان جهنم حمراء .
"الدماء فى كل مكان كان الارض تخرج كل الدماء التى احتجزتها ملايين السنين" = تشبيه يدل على ان الارض تحتجز الدماء, وهو حقيقة علمية لا خلاف عليها.
" صفارات الانذار تدوى والناس تهرب للامكان" = الجملة تدل على انه بالفعل يوجد لامكان والا ما كانت الناس تهرب اليه.
" تنشق الارض عن افعى رهيبة تلتهم الموجودين جميعا" = دليل على وجود افاعى تلتهم البشر, وانها تخرج من باطن الارض.
"يهبط من السماء شهاب كعين ابليس" = تشبية يدل على ان الشهاب له نفس هيئة عين ابليس, او ان الشهاب هو فى الاصل عين ابليس, او ان عين ابليس تحوى شهاب.
"اسبح فى الفضاء " = دليل على ان الانسان يمكنه ان يسبح فى الفضاء, قد لا يستطيع الآن ولكنه قد يفعلها مستقبلا.
"مع صوت صفير حاد يكاد يخرق طبلة اذنى" = الصفير الحاد يمكنه ان يخرق طبلة الاذن, حقيقة علمية اثبتتها القصة.
"اصحو مفزوعا على صفارة الكمسارى يطلب رؤية التذاكر من الركاب" = هنا لا نسطتيع التيقن, هل هو حلم فعلا ام حقيقة, لانه من الممكن ان يكون بعد هبوطة من الفضاء ونجاته ذهب ليستقل قطارا اخر من مدينة اخرى وغفى فيه قليلا من تعب التجربة الرهيبة التى مر بها واستيقظ على صافرة الكمسارى طالبا تذكرته, وقد يكون حلما نظرا لوجود بعض الاحداث اللامنطقية فى القصة.
انا هنا اقدم القصة باعتبارها عن نبى حديث يصف معجزة من معجزاته, وتم تفسير تلك المعجزة من وجهة نظر المؤمنون بها الذين يلوون عنق احداثها لتناسب تقديسهم له كنبى, ومن وجهة نظر من لا يؤمنون به كنبى ويرون القصة من وجهة نظر موضوعية منطقية تماما ....
والسؤال الآن, هل نأخذ ما جاء بالقصة على انه تشبية وجاز, ام نأخذه كحقائق مسلّم بها ؟
واذا كان تشبية ومجاز, فما فائدة القصة ؟ واذا كانت حقائق, فأين الاثبات على انها حدثت بالفعل ؟ وأين الدلائل العلمية على امكانية حدوثها ؟ وماذا عن مخالفتها للعلم ؟
ماذا عن التفسير الاول ؟ هل يعد تفسير منطقى ام عبثى ؟ وهل خالف العقل والعلم ؟
ما الاقرب للصواب ؟ ان تفسر الماء بالماء ؟ ام تلوى عنق الحقائق حتى تستمر هالة التقديس مضيئة حول شخصية من تؤمن به ؟
الاجابة اتركها لكم ....